فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}
هذه الآية قال مجاهد نزلت في دعاء الرجل على نفسه أو ماله أو ولده ونحو هذا، فأخبر الله تعالى أنه لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر، تقديرها ولا يفعل ذلك ولكن يذر الذين لا يرجون فاقتضب القول وتوصّل إلى هذا المعنى بقوله: {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا} فتأمل هذا التقدير تجده صحيحًا، و{استعجالهم} نصب على المصدر، والتقدير مثل استعجالهم، وقيل: التقدير تعجيلًا مثل استعجالهم، وهذا قريب من الأول، وقيل إن هذه الآية نزلت في قوله: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] وقيل نزلت في قوله: {آتنا بما تعدنا} [الأعراف: 77] وما جرى مجراه، وقرأ جمهور القراء {لقُضي} على بناء الفعل للفاعل ورفع الأجلُ وقرأ ابن عامر وحده وعوف وعيسى بن عمر ويعقوب، {لقضى} على بناء الفعل للفاعل ونصب الأجلَ، وقرأ الأعمش: {لقضينا}، والأجل في هذا الموضع أجل الموت، ومعنى قضى في هذه الآية أكمل وفرغ، ومنه قول أبي ذؤيب: [الكامل]
وعليهما مسرودتان قضاهما ** داودُ أوْ صَنَعُ السوابغِ تبع

وأنشد أبو علي في هذا المعنى: [الطويل]
قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها ** فوائح في أكمامها لم تفتق

وتعدّى قضى في هذه الآية بإلى لما كان بمعنى فرغ، وفرغ يتعدى بإلى ويتعدى باللام، فمن ذلك قول جرير:
ألانَ فقد فرغت إلى نُمَير ** فصرت على جماعتها عذابا

ومن الآخر قوله عز وجل: {سنفرغ لكم أيه الثقلان} [الرحمن: 31] وقرأ الأعمش: {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا}، و{يرجون} في هذا الموضع على بابها والمراد الذين لا يؤمنون بالبعث فهم لا يرجون لقاء الله، والرجاء مقترن أبدًا بخوف، والطغيان الغلو في الأمر وتجاوز الحد، والعمه الخبط في ضلال، فهذه الآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في الناس، يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة فيحملهم أحيانًا سوء الخلق على الدعاء في الشر، فلو عجل لهم لهلكوا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولو يعجِّلُ اللهُ للنَّاسِ الشرَّ}
ذكر بعضهم أنها نزلت في النضر بن الحارث حيث قال: {اللهم إِن كان هذا هو الحق من عندك} [الأنفال: 8].
والتعجيل: تقديم الشيء قبل وقته.
وفي المراد بالآية قولان:
أحدهما: ولو يعجِّل الله للنَّاسِ الشرَّ إذا دَعَواْ على أنفسهم عند الغضب وعلى أهليهم، واستعجلوا به، كما يعجِّل لهم الخير، لهلكوا، هذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: ولو يعجل الله للكافرين العذاب على كفرهم كما عجَّل لهم خير الدنيا من المال والولد، لعُجِّل لهم قضاء آجالهم ليتعجَّلوا عذاب الآخرة، حكاه الماوردي.
ويقوِّي هذا تمامُ الآية وسببُ نزولها.
وقد قرأ الجمهور: {لقُضيَ إِليهم} بضم القاف {أجلُهم} بضم اللام.
وقرأ ابن عامر: {لقَضَى} بفتح القاف {أجلَهم} بنصب اللام.
وقد ذكرنا في أول [سورة البقرة: 15] معنى الطغيان والعمه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر} قيل: معناه ولو عجل الله للناس العقوبة كما يستعجلون الثواب والخير لماتوا، لأنهم خلقوا في الدنيا خلقًا ضعيفًا، وليس هم كذا يوم القيامة؛ لأنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء.
وقيل: المعنى لو فعل الله مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله معهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم؛ وهو معنى {لَقُضِيَ إلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}.
وقيل: إنه خاص بالكافر؛ أي ولو يعجل الله للكافر العذاب على كفره كما عجل له خير الدنيا من المال والولد لعجّل له قضاء أجله ليتعجل عذاب الآخرة؛ قاله ابن إسحاق.
مقاتل: هو قول النضّر بن الحارث: اللَّهُمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء؛ فلو عجل لهم هذا لهلكوا.
وقال مجاهد: نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب: اللهم أهلكه، اللهم لا تبارك له فيه والعنه، أو نحو هذا؛ فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم.
فالآية نزلت ذامّة لخُلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانًا سوء الخلق على الدعاء في الشر؛ فلو عجّل لهم لهلكوا.
الثانية واختلف في إجابة هذا الدعاء؛ فروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني سألت الله عز وجل ألا يستجب دعاء حبيب على حبيبه» وقال شَهْرُ ابن حَوْشَب: قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملائكة الموكَّلين بالعبد: لا تكتبوا على عبدي في حال ضجره شيئًا؛ لطفًا من الله تعالى عليه.
قال بعضهم: وقد يستجاب ذلك الدعاء؛ واحتج بحديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه آخر الكتاب، قال جابر: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ بَطْنِ بُواطٍ وهو يطلب المجدِي بن عمرو الجُهَنيّ وكان الناضح يَعْتَقبه منا الخمسة والستة والسبعة، فدارت عُقبة رجلٍ من الأنصار على ناضح له فأناخه فركب، ثم بعثه فتلدّن عليه بعض التلدن؛ فقال له: شَأ؛ لعنك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن هذا اللاعنُ بعيره»؟ قال: أنا يا رسول الله؛ قال: «انزل عنه فلا تصحبنا بملعون لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم».
في غير كتاب مسلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان في سفر فلعن رجل ناقته فقال: «أين الذي لعن ناقته»؟ فقال الرجل: أنا هذا يا رسول الله؛ فقال: «أخرها عنك فقد أُجِبت فيها».
ذكره الحُليميّ في منهاج الدين.
شأ يروى بالسين والشين، وهو زجر للبعير بمعنى سِر.
الثالثة قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله} قال العلماء: التعجيل من الله، والاستعجال من العبد.
وقال أبو عليّ: هما من الله؛ وفي الكلام حذف؛ أي ولو يعجل الله للناس الشر تعجيلًا مثل استعجالهم بالخير، ثم حذف تعجيلًا وأقام صفته مقامه، ثم حذف صفته وأقام المضاف إليه مقامه؛ هذا مذهب الخليل وسيبويه.
وعلى قول الأخفش والفراء كاستعجالهم، ثم حذف الكاف ونصب.
قال الفراء: كما تقول ضربت زيدًا ضربك، أي كضربك.
وقرأ ابن عامر {لقضى إليهم أجلهم}.
وهي قراءة حسنة؛ لأنه متصل بقوله: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر}.
قوله تعالى: {فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} أي لا يعجل لهم الشر فربما يتوب منهم تائب، أو يخرج من أصلابهم مؤمن.
{فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} أي يتحيرون.
والطغيان: العلوّ والارتفاع؛ وقد تقدّم في البقرة.
وقد قيل: إن المراد بهذه الآية أهل مكة، وإنها نزلت حين قالوا: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ} [الأنفال: 32] الآية، على ما تقدّم والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {ولو يعجل الله للناس الشر} يعني ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر بما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال.
قال ابن عباس: هذا في قول الرجل لأهله وولده عند الغضب لعنكم الله لا بارك الله فيكم.
وقال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له فيه {استعجالهم بالخير} يعني كاستعجالهم بالخير وكما يحبون أن يعجل لهم إجابة دعائهم بالخير {لقضي إليهم أجلهم} يعني لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعًا والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب العجلة.
وقال ابن قتيبة: إن الناس عند الغضب والضجر قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال يقال لو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم يعني: لفرغ من هلاكهم ولكن الله بفضله وكرمه يستجيب للداعي بالخير ولا يستجيب له في الشر.
وقيل: إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فعلى هذا يكون المعنى ولو يعجل الله للكافرين العذاب كما عجل لهم خير الدنيا من المال والولد لعجل قضاء آجالهم ولهلكوا جميعًا ويدل على صحة هذا القول قوله سبحانه وتعالى: {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا} يعني فندع الذين لا يخافون عقابنا ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت {في طغيانهم} يعني في تمردهم وعتوهم {يعمهون} يعني يترددون.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني اتخذت عندك عهدًا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ}
قال مجاهد: نزلت في دعاء الرجل على نفسه وماله أو ولده ونحو هذا.
فأخبر تعالى لو فعل مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما يريدون فعله منهم في إجابته إلى الخير لأهلكهم، ثم حذف بعد ذلك من القول جملة يتضمنها الظاهر تقديره: فلا يفعل ذلك، ولكن نذر الذين لا يرجون فاقتضب القول، ووصل إلى هذا المعنى بقوله: {فنذر الذين لا يرجون}، فتأمل هذا التقدير تجده صحيحًا قاله ابن عطية.
وقيل: نزلت في قولهم: إئتنا بما تعدنا، وما جرى مجراه.
وقال الزمخشري: والمراد أهل مكة.
وقولهم: {فأمطر علينا حجارة} يعني: ولو عجلنا لهم الشر الذي دعوا به كما نعجل لهم الخير لأميتوا وأهلكوا.
قال: (فإن قلت): كيف اتصل به فنذر الذين لا يرجون لقاءنا، وما معناه؟ (قلت): قوله: {ولو يعجل الله} متضمن معنى نفي التعجيل كأنه قال: ولا نعجل لهم الشر ولا نقضي إليهم أجلهم، فنذرهم في طغيانهم، أو فنمهلهم، ونفيض عليهم النعمة مع طغيانهم إلزامًا للحجة عليهم.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنّه تعالى لما ذكر عجب الناس من إيحاء الله إلى رجل منهم، وكان فيما أوحي إليه الإنذار والتبشير، وكانوا يستهزؤون بذلك ولا يعتقدون حلولَ ما أنذروه بهم فقالوا: {فأمطر علينا حجارة} وقال إخبارًا عنهم: {ويستعجلونك بالعذاب} وقالوا: {فأتنا بما تعدنا} ثم استطرد من ذلك إلى وحدانيته تعالى، وذكر إيجاده العالم، ثم إلى تقسيم الناس إلى مؤمن وكافر، وذكر منازل الفريقين ثم رجع إلى أن ذلك المنذر به الذي طلبوا وقوعه عجلًا لو وقع لهلكوا، فلم يكن في إهلاكهم رجاء إيمان بعضهم، وإخراج مؤمن من صلهم بل اقتضت حكمته أنْ لا يعجل لهم ما طلبوه، لما ترتب على ذلك.
وانتصب استعجالهم على أنه مصدر مشبه به.
فقال الزمخشري: أصله ولو يعجل الله للناس الشر تعجيله لهم الخير، فوضع استعجاله لهم بالخير موضع تعجيله لهم الخير إشعارًا بسرعة إجابته لهم وإسعافه بطلبتهم، كأن استعجالهم بالخير تعجيل لهم.
وقال الحوفي وابن عطية: التقدير مثل استعجالهم، وكذا قدره أبو البقاء.
ومدلول عجل غير مدلول استعجل، لأنّ عجل يدل على الوقوع، واستعجل يدل على طلب التعجيل، وذاك واقع من الله، وهذا مضاف إليهم فلا يكون التقدير على ما قاله الزمخشري، فيحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون التقدير تعجيلًا مثل استعجالهم بالخير، فشبه التعجيل بالاستعجال، لأنّ طلبهم للخير ووقوع تعجيله مقدم عندهم على كل شيء.
والثاني: أن يكون ثم محذوف يدل عليه المصدر تقديره: ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوا به استعجالهم بالخير، لأنّهم كانوا يستعجلون بالشر ووقوعه على سبيل التهكم، كما كانوا يستعجلون بالخير.
وقرأ ابن عامر: لقضى مبنيًا للفاعل أجلهم بالنصب، والأعمش لقضينا، وباقي السبعة مبنيًا للمفعول، وأجلهم بالرفع.
وقضى أكمل، والفاء في فنذر جواب ما أخبر به عنهم على طريق الاستئناف تقديره: فنحن نذر قاله الحوفي.
وقال أبو البقاء: فنذر معطوف على فعل محذوف تقديره: ولكن نمهلهم فنذر. اهـ.